الجمعة 31 مايو 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
الشورى

يبدو أن الأبواب قد سدت فى وجه جماعة «الإخوان المسلمين»، حتى عاصمتها البديلة، إسطنبول، لم تعد مدينة ترحب بالهاربين منهم، بعد مصر والسودان، ها هى تونس تعلن وفاة سلطة الإخوان، كانت تونس أولى البوابات وأهم مكاسب الحركة فى العقد الأخير، وهى اليوم آخر حصونها المتهاوية. ليس مفاجئاً سقوط «الإخوان» فى تونس الآن، بل تأخر سنوات عن موعده المتوقع، سقوطهم من جراء وجودهم شركاء فى الحكم، وارتبطوا بالفوضى والاغتيالات، وعمليات التعطيل المتعمدة لإفشال العمل الحكومى بعد أن أصبح خارج سيطرتهم.

ومع أن الرئيس التونسى، قيس بن سعيد، كان واضحًا فى تحذيراته أن ما يحدث سيضطره للتدخل إلا أنهم اعتقدوا أنه لن يجرؤ، وسيستولون على الحكم من خلال تدمير قياداته، والتدابير الاستثنائية التى اتخذها جاءت عملية إنقاذ لما قبل الانهيار، فالبرلمان أصبح عاجزًا لهذا تم تعطيل اختصاصاته، كما أقال رئيس الحكومة بعد فشل حكومته، أيضًا قرر تحريك المتابعة القضائية فى قضايا الفساد التى طالب بالتحقيق فيها مرات وتم تجاهل مطالباته السابقة، ألقى عدة خطابات يقول لهم إنه لن يسكت عن الفساد المنتشر، ويطالب بالتحقيق، وكانت الإجابة أنها ليست من اختصاصات رئيس الجمهورية، وعن عجز الجهاز الصحى فى مواجهة انتشار جائحة «كورونا»، أيضًا، قيل له بإنها ليست من اختصاصاته. أرادوا الرئيس صوريًا، لكنه صار صوت المواطن التونسى، اليوم هو الرئيس الحقيقى، وأمامه فرصة لإصلاح ما فشلت فيه الحكومة والبرلمان، المحير فهم دوافع الفوضى التى كانت مصطنعة، لماذا لم يتراجع قادة ونواب حزب «النهضة» فى الأشهر الماضية لفك الاحتقان؟ الأرجح أنهم كانوا يعتقدون أن الأزمة ستدفع الناس للشارع، وتعيد سيناريو ديسمبر  2010، ومن خلال الفوضى يتسلقون سلم الحكم من جديد. إشكالات حزب «النهضة»، أنها تريد الحكم من دون احترام قواعده التى جاءت من خلاله، وهى الآن تحتج على التدابير الطارئة بأنها مخالفة للدستور وأن قرارات الرئيس هى الانقلاب. جماعة الإخوان هى أكثر من استفاد من ثورات الربيع العربى والتى انطلقت شرارتها الأولى من تونس، وأسقطت حكم زين العابدين بن على فى ديسمبر ٢٠١١، ثم كانت الجائزة الكبرى لهم، حينما تمكنوا من السيطرة على المناصب الكبرى فى مصر، خصوصًا رئاسة الجمهورية ومجلسى الشعب والشورى والحكومة، وكادوا يتمكنون من الهيمنة على البلد بأكمله لولا ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣.

نجحوا أيضًا فى الحصول على مكاسب سياسية كثيرة فى العديد من البلدان العربية الأخرى، لكن ظلت تونس هى الجائزة الأكثر لمعانا بالنسبة لهم، باعتبارها نموذجًا يحظى برضاء وتأييد غربى. كان كثيرون يقولون إن «الإجابة هى تونس»، اعتقادًا أنه تم إيجاد حل للمعضلة التاريخية الخاصة بكيفية التوفيق بين الحداثة الغربية والاستبداد الشرقى، وبالتالى فإن فشل التجربة التونسية ينهى هذا الجدل أو على الأقل يحسمه لفترة طويلة من الوقت. لو انتهى الصراع بإخراج جماعة الإخوان من المشهد التونسى، أو حتى تقليم أظافرها، فإن ذلك سيعنى وقف المد الإخوانى فى المنطقة العربية لسنوات طويلة خصوصًا فى المغرب العربى. التجرية التونسية هى التى مثلت الإلهام لصعود الإخوان والإسلام السياسى فى ليبيا المجاورة قبل أن تنهار التجربة بالكامل، ويكتشف الجميع أنهم كانوا مجرد ميليشيات، وهى أيضًا التجربة التى ألهمت إخوانهم فى الجزائر بالحصول على نسبة كبيرة فى آخر انتخابات برلمانية جرت هناك قبل شهور. إضافة بالطبع إلى أن قوى الإسلام السياسى هى الأكثر تأثيرًا فى البرلمان المغربى طوال العقد الماضى، وإن كانت التجربة المغربية لها سمات خاصة للغاية، ومختلفة إلى حد كبير عما حدث فى بقية بلدان شمال إفريقيا. نهاية هذه التجرية تعنى أن الرهانات التركية على نشر النموذج التونسى قد سقطت، وقد تعجل بسقوط آخر أمل لجماعات الإسلام السياسى فى ليبيا، وهى الجماعات التى تقاتل معركتها الأخيرة هذه الأيام، للاستمرار فى المشهد، بعد أن اكتشف الشعب الليبى وعدد كبير من بلدان العالم، أنه لا يمكن الاستمرار تحت ظل حكومات تسندها الميليشيات أو المرتزقة والقوات الأجنبية. وبالتالى فإن هذا السقوط سيزيد من عزلة نظام الرئيس التركى رجب أردوغان، وكل القوى والتنظيمات التى دعمت جماعة الإخوان المسلمين فى المنطقة طوال السنوات الماضية.  عمومًا سقوط جماعة الإخوان فى تونس، زلزال عنيف وقوى، ليس كونها المعقل الأخير للجماعة والحفاظ على ماء وجهها للبقاء فى المشهد السياسى الإقليمى، ولكن كونها تجربة حاول الإخوان الترويج لها بكل الوسائل، السياسية والدعائية، وتقديمها للغرب باعتبار أن الجماعة فى تونس تقبل الآخر، وتعترف بالحريات وحقوق المرأة، حتى ولو تقاطعت مع أدبيات وفلسفة ودستور الجماعة.

من هذا المنطلق، كانت الصدمة العنيفة والقاتلة لقيادات التنظيم الدولى من سقوط آخر معاقل الجماعة بتونس، والنموذج الذى كان يعول التنظيم عليه فى الإبقاء على حياة الجماعة، وإعادتها إلى مسرح الأحداث من جديد، فى مختلف الأوطان، إذا ما وضعنا فى الاعتبار أن انطلاق ما يسمى كذبًا وبهتانًا، ثورات الربيع العربى كان من قلب تونس، لتتسلل إلى عواصم عدد من الدول العربية، الواحدة تلو الأخرى.

فشل التجربة الإخوانية فى تونس، قد تسدل ستائر النهاية المؤقتة لمسيرة الجماعة السياسية، وتطيل مدة الغياب، لكن لن تقضى على «الأصولية» بشكل عام، والدليل أن بعض المحللين والمراقبين للحركات الأصولية، ذهبوا إلى أن حركة طالبان انتهت فى أفغانستان، كما أن تنظيم القاعدة مات إكلينيكيًا، وجماعة الإخوان وداعش، وباقى التنظيمات الإرهابية دخلت غرف الإنعاش، إلا أنه ومنذ أيام وتحديدًا فى أول أيام عيد الأضحى، ثبت خطأ هذه الرؤية، عندما أطلت حركة طالبان برأسها على المشهد العام، بإطلاق صواريخ على قصر الرئاسة الأفغانية، فى رسالة تقول: أنا موجودة، ولم أندثر.. وللحديث بقية  

تم نسخ الرابط